عرض اون لاين كتاب التربية الاسلاميه ثالث ثانوي علمي
- انظم الى قناة منهج ليبيا الجديد في التليجرام
محتوى الكتاب
المعنى العام:
الآية 42: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ
الأبصر .
هذا تحديد ووعيد شديد للظالمين، وتسلية للمظلومين الذين لم يتمكنوا في الدنيا من القصاص لأنفسهم ممن ظلمهم. يقول الله تعالى مخاطبا نبيه : لا تظنن يا أيها النبي إذا رأيت الظالمين قد أمهلهم الله، وتركهم يتنقلون في الأرض آمنين، يتمتعون فيها بالمأكل والمشرب والمسكن والمليس، لا تظنن أن الله غافل عن أعمالهم، أو أنه لن يعاقبهم على صنيعهم، كلا! بل إنه يؤخر عذابهم ليوم شديد مفزع تنفتح فيه أبصارهم فلا تتحرك، ولا يطرف لهم حفن؛ وذلك لشدة ما ترى من الأهوال في ذلك اليوم.
والظلم هو وضع الشيء في غير محله، وترك الحق واتباع الباطل، والتعدي على الآخرين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم. وهو ثلاثة أنواع : ظلم فيما بين الإنسان وربه، وظلم الإنسان لغيره من البشر ، وظلم
الإنسان لنفسه .
فمن النوع الأول الشرك بالله، قال تعالى ل : إن الشِّرْكَ لَظُلْمُ عَظِيمٌ ، وسمي الشرك ظلما لأنه وضع للعبادة في غير محلها التي يجب أن تكون فيه، ومنه ارتكاب المعاصي وكل ما نهى الله
وأما النوع الثاني - وهو ظلم الإنسان لغيره من البشر فهو أن يعتدي على حقوقهم أو أعراضهم أو أموالهم أو دمائهم، ويدخل فيه كذلك السب والشتم والغيبة والنميمة. فاحذر - يا ولدي - أن تكون ممن يظلم نفسه بارتكاب المحرمات، أو يظلم غيره بالاعتداء عليهم، حتى لا تكون مشمولاً بالتهديد الوارد في هذه الآيات؛ فإن الظلم عاقبته وخيمة قال : «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات
يوم القيامة».
و النوع الثالث - ظلم الإنسان لنفسه ، ومثاله : الذنوب والمعاصي والتقصير في حق الله - تبارك وتعالي - والتقصير في جنبه ، وهذه تحب منها التوبة ، وهي موكلة إلى الله - تبارك وتعالى - إن شاء غفر الله له و إن شاء عذبه ، خلافاً لظلم الإنسان لغيره ، فيلزمه التحلل والاستسماح .
الآية 43: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفَهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاهُ ..
في هذه الآية يذكر الله - تعالى - كيفية قيام الظالمين من قبورهم ومحيتهم إلى مكان الحشر، فإنهم سيأتون مهطعين أي مسرعين في ذل وانكسار إلى الداعي الذي يدعوهم للوقوف بين يدي الله الله للحساب، رافعين رؤوسهم إلى السماء، ينظرون نظرة فرع وخوف، وأبصارهم شاخصة مفتوحة، وتتوقف أجفاتهم عن الحركة؛ بسبب ما ينتظرهم من العذاب والأهوال، وقلوبهم خالية من العقل والفهم من شدة الفزع، فهي كالهواء والخلاء الذي لا شيء فيه.
الآية 44: ﴿ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخَرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ تحِب دَعْوَنَكَ وَتَتَّبِعِ الرُّسُلُ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالِ ).
يقول الله تعالى لنبيه محمد الأندر الناس وخوفهم من شدة ذلك اليوم، وذكرهم أنه عندما يأتي فلا اعتذار، ولن يستجاب لنداء الظالمين، فإنهم عندما يرون العذاب، ويرون أن مصيرهم جهنم والعياذ بالله سيدعون ربهم قائلين: ربنا أمهلنا، وأخر العذاب عنا إلى وقت آخر غير بعيد، وأرجعنا إلى الدنيا، وسوف تستجيب لدعوة الرسل لنا بالتوحيد والعمل الصالح، وسنتبعهم فيأتيهم الرد والتوبيخ، ويقال لهم: ألستم قد حلفتم من قبل أن الدنيا لن تزول، وأنكم ستخلدون فيها، وأنه لا بعث ولا حساب؟!
فكيف ترون حالكم اليوم ؟ هل زلتم وزالت الدنيا أم لا؟
الآية 45: ﴿ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا
بهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ ..
ويقال لهم كذلك ولقد سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، وعلمتم كيف عليناهم وأهلكناهم بسبب ذنوبهم، وقد ضربنا لكم الأمثال والعبر، فلم تتعظوا بذلك، وفعلتم ما فعلوا من الظلم والتعدي، فكنتم مثلهم في الظلم والكفر والعذاب.
وهذا المثل يتحدد كثيراً في الحياة، ويقع في كل حين فيحدث أن يسكن بعض الناس في مساكن
الطغاة والظالمين الذين أهلكهم الله من قبلهم، أو يمروا بها، ثم لا يلبث هؤلاء حتى يقوموا بما قام به من قبلهم من الطغيان والتحير وظلم الناس، فلا يتعظون بمصيرهم، ولا تؤثر فيهم تلك الآثار الباقية التي يسكنونها، أو التي يمرون بها، حتى يأتيهم العذاب من رب العالمين، فيلحقون بالظالمين من قبلهم. فاحذر يا أيها الطالب - أن تكون من هؤلاء.
الآية 46: ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ .
يعني أن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وسكنهم من بعدهم في مساكنهم قد مكروا وديروا، وفعلوا
كل ما يستطيعون من أجل أن يتطلوا الحق ويتكوا الباطل، والله يعلم مكرهم هذا، ويعلم ما يستحقونه من العذاب بسببه، وهو مكر وتدبير عظيم وشديد وحبيث يكاد يزيل الجبال عن أماكنها، ولكن الله
رد كيدهم وتدبيرهم، فلم يضروا الله شيئا، وإنما ضروا أنفسهم.
ويدخل في معنى الآية كل من مكر من المخالفين للرسل، من أجل أن ينصر الباطل، أو يبطل الحق.
ما ترشد إليه الآيات:
1. الظلم الذي هو وضع الشيء في غير موضعه، واتباع الباطل وترك الحق، والتعدي على الآخرين في
دمائهم وأموالهم وأعراضهم عاقبته وخيمة، أيا كان نوعه.
2. الله تعالى ليس غافلاً عما يفعل الظالمون، فإنه قد يمهل الظالم لبعض الوقت ليزداد إثما، ثم يأخذه أخذاً شديداً.
3. إذا جاء يوم الحساب فلا اعتذار، ولن يستجاب لنداء الظالمين أن يعودوا للدنيا ويعملوا صالحاً.
4 مساكن الظالمين وما فعل الله بهم بسبب ظلمهم فيها عبرة وعظة لمن يأتي بعدهم.
المناقشة
1. عرف الظلم، واذكر أنواعه، ثم اذكر لماذا سمى الشرك ظلماً؟
2. هل يدل ظاهر حياة الظالمين الذين يتنعمون في هذه الدنيا على حسن حالهم وضح ذلك.
3. ما الوصف الذي يكون عليه الظالمون عند قيامهم من قبورهم؟ ولماذا يكون هذا حالهم؟
.4. ماذا سيطلب الظالمون عندما يرون العذاب؟ وماذا سيكون الرد عليهم؟
5. هناك مثل يرد كثيراً في الحياة اشتملت عليه الآيات، فما هو ؟ وماذا تستفيد منه؟
النص الثاني عاقبة الظلم (2)
تمهید
رأينا في الدرس السابق بدايات المصير الذي سيلاقيه الظالمون يوم القيامة: القيام من قبورهم والإسراع إلى الداعي الذي يدعوهم للمثول بين يدي الله عز وجل للحساب، وهم في حال شديدة من الفزع والخوف، حتى إن أعينهم لتبقى مفتوحة، لا يتحرك لها حفن مما يرونه من الأهوال، وقلوبهم خاوية،
لا تحمل غير التفكير في المصير الفظيع الذي سيصيرون إليه.
وفي هذا الدرس عرض الاستمرارية المشهد انتقام الله عز وجل من الظالمين وغيرهم من المحرمين وتعذيبهم جزاء ظلمهم وجزاء مكرهم؛ تحقيقاً لعدل الله في الجزاء، وسيكون ذلك في يوم مستتبدل فيه الأرض والسماوات إلى طبيعة جديدة، لا يعلم إلا الله كيفيتها. سيقفون أمام الله عز وجل مكشوفين لا يسترهم ساتر، ليسوا في بيوتهم ولا في قصورهم التي كانوا يظلمون الناس فيها، إنما هم في العراء أمام الواحد القهار، وبعد الحساب العسير تبدأ مراحل العذاب الدائم الذي لا ينتهي: يقرن الظالمون والمجرمون اثنين اثنين في الأغلال والسلاسل، يمرون صفاً وراء صف، في منظر إذلال، يقابل ما كانوا عليه من الظلم والترفع على الناس، وتكون ملابسهم من قطران، وهي مادة شديدة القابلية للالتهاب، قدرة سوداء
زيادة في إذلالهم وتحقيرهم، ثم ينتهى المشهد بقدفهم في النار. وفي النص الآتي - وهي الآيات التاليات لآيات الدرس السابق من سورة إبراهيم - عرض لهذا المشهد.
المعنى العام:
الآية 47: ﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ، رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ).
هذا خطاب من الله تعالى لرسوله يتضمن التأكيد أنه عز وجل سوف لن يخلف وعده لرسله عليهم الصلاة والسلام. يقول له: لا تظنن - يا أيها النبي - أن الله سيخلف الوعد الذي وعده الرسله، بتأييدهم وبحالهم ونجاة أتباعهم، وإهلاك أعدائهم وخذلانهم في الدنيا، وتعذيبهم في الآخرة، كلا! فالله عزيز: لا يمتنع عليه شيء إذا أراده، منتقم ممن كفر به وكذب برسله. وفي هذا تحديد ووعيد شديد للظالم - أيا كان نوع الظلم - أن يكف ويتوب إلى الله؛ حتى لا يناله انتقام الله وعذابه، وفيه تسلية للنبي وتذكير له أن الله يحيطه برعايته ونصره، وتسلية كذلك لمن ظلم ولم يتمكن من القصاص في الدنيا، أن الله سينتقم ممن ظلمه.
الآية 48: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ .
يعني أن انتقام الله من الظالمين والمحرمين يكون يوم تتبدل صفات الأرض وصفات السماوات فلا تعود كما اعتاد عليها الناس، ولا يعلم كيف تكون طبيعتها يومها إلا الله سبحانه وتعالى. في ذلك اليوم سيخرج الخلق جميعا من قبورهم، ويبرزون ويمثلون للحساب والمساءلة بين يدي الله عز وحل الواحد
الذي قهر كل شيء وغليه.
الآية 49: ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ).
هذا وصف المشهد من مشاهد العذاب الشديد والقاسي الذي سيلاقيه المجرمون والظالمون يوم القيامة، يناسب ما كانوا عليه من تجبر وتكبر على الناس، وكفر بالله وينعمه سيقادون في ذلك اليوم إلى العذاب بطريقة فيها إذلال وإهانة سيربطون ويقيدون اثنين اثنين بسلاسل وأغلال وقيود، يربط المحرم
والظالم بشبيهه ومثيله في الظلم والإحرام، أو بالشيطان الذي أضله وأغواه، ثم يقذفون في جهنم، والعياذ
بالله. قال الله تعالى : وَإِذَا الْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّبَينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا .